آخر الأحداث والمستجدات
الولي الصالح سيدي علي بن طاهر من حي الزيتون القديم
بين الحقيقة والخرافة دائما كانت تختلط حكايات عمتي(رحمها الله). بين الخيال والمنطق العقلي قد نتيه في التفكير ولا نقدر على قبض شعرة معاوية التي تفصل بينهما، ولكنا قد نُنشئ أسئلة استنكارية لا إخبارية. تحكي عمتي (رحمها الله) عن بركات سيدي علي بن طاهر، والذي كان مدفن قبره ما بين دار الثقافة التازي وتجزئة (عرصة) التازي بحي الزيتون. تحكي أن وليا صالحا تقطعت به السبل، فقرر استيطان الحي والاندماج مع ساكنته كليا. تحكي أنه كان متصوفا لا يولي للحياة بالا، وأهمية. وحين تلتقي به تحس بأنك أمام شيخ (هداوي).
تقول عمتي كنزة (رحمها الله) أن كل أبواب المنازل القليلة بجمع قلة (التشتت) بقبيلة الزيتون كانت لا توصد في وجهه، كان مثل البركة المتجولة، وكل طلباته كانت بمثابة أوامر، ورأيه لا يناقش البتة. إنها حكاية النية في نيل دعواته وبركاته بأريحية تامة. إنه المعتقد العرفي في توافد البركات والخير من يدي سيدي علي بن طاهر، فهو الخير بعينه، فقد كان كلمات التسبيح لا تفارق شفتيه، وسبحة متدلية من عنقه بألوان متنوعة وحجم كبير. وكان يذكر الله ورسوله (ص) قياما وقعودا.
في الحقيقة لم تثرنا بداية الحكاية شغفا وبحثا عن النهاية، لكن العمة كنزة (رحمها الله) زادت من توابل حرارة الحكاية حين أسرت لنا بالصوت الخافت أن رفيقة دربه كانت أميرة جنية من الأرض السفلية. كانت لا تفارقه مسار حياته. كان يتحدث إليها على اليمين يده بصوت خافت. كان لا يتناول الخبز، ولا الطعام المضاف إليه الملح. هنا تسمرنا في أماكننا ولم نعد نلهو خارج مساحة السماع. وبتنا نتابع الحكاية بشغف، إنه حب الاستماع إلى حكايات الخوارق.
كنا نتصور سيدي علي بن طاهر شيخ مسن يلبس (دربالة)، وينتعل نعلا كبيرا من طينة نعل سيدنا سليمان. كنا نتصوره طويل القامة نحيف الجسم، وبشعر كثيف يغزو رأسه ولحيته بتوزيع عادل. كنا نمثل وجهه مشعا بالنور. كنا نستحضر تلك الأميرة الجنية التي تحميه حراسة.
ومن بين ما ذكرت عمتي (رحمها الله) أن البغلة التي وفد عليها راكبا إلى حي الزيتون، لازمت ذاك المكان المحاذي يمين دار الثقافة الحديثة التازي، لذا قرر شيوخ الحي بناء غرفة لإقامة سيدي علي بن طاهر بنفس المكان، تكريما له ولكراماته التي حلت بالخيرات على الحي(المطر الوفير والغلة بزيادة، بعد سنوات من الجفاف القهري).
هي حكايات بها نوع من الإتحاف الخرافي، بها نوع من الفعل الماضي (زعموا). تحكي عمتي (رحمها الله)، فقد كان سيدي علي بن طاهر له بركات وكرامات متعددة، فقد كان تراب موضع مرقده (حدود)،أي دواء لمجموعة من الأمراض التي كانت تصيب الأطفال والكبار، حيث كانت الأمهات تخلط ذاك التراب الأحمر مع قليل من الماء، وتقوم بطلائه الخارجي بريشة ديك حبشي على انتفاخ اللوزتين (الحلاقيم). إنها النية التي تحصنها المناعة الداخلية للإنسان طبعا !!!
مات الرجل البركة سيدي علي بن طاهر. مات وبقيت بركاته متقدمة في الزمان والمكان. مات سيدي علي بن طاهر، وبقي مدفنه بنفس غرفة قبلة لطلب البركة من داخل الحي وخارجه. حتى حدث التحولات الكبرى بالجرافات، والتي عملت على طمس معالمه كليا وبناء عمارة ودكاكين حتى على أرض مقامه الحي والميت. لكن العجيب والذي لازال حاضرا منذ سنة (1989) تاريخ إحداث عمارة التازي، أن تلك الدكاكين التي بنيت على أرض المدفن لم يتم تعميرها، لا تجارة، ولا نشاطا مهنيا. ويحكي رجل من سوس سبق أن اشترى دكانا داخل في محيط ضريح سيدي علي بن طاهر، وفتحه للمواد الغذائية، أن في الليل كان يبيت مع الجن والجنيات، أنه فضل النجاة بعقله وجسده وماله قبل أن يجن !!!
هي حكايات سيدي علي بن طاهر بحي الزيتون من الماضي والتي بقيت أحداثها عالقة بالحاضر من خلال مجموعة من الدكاكين المغلقة بلا استغلال منذ تاريخ تدمير مدفنه. هنا قد نصبح من المتفرجين بين الحقيقة والخرافة، هنا قد نضع خطا أحمرا على قتل الخرافة وتبني المنزلة بين المنزلتين. وللتأكيد لا نؤمن بالخرافات ولكن نبحث عن توثيق أحداث ماضية بحي الزيتون.
(حلقات رمضانية عن حي الزيتون)
الكاتب : | محسن الأكرمين |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2022-04-04 17:07:52 |